ثقبٌ أسود يسحب بجاذبيته جزءاً من نجم؛ والنجم ينجو من الجاذبية ليخبرنا قصة ما حدث.
تصورنا عن الثقب الأسود هو أنه ملتهم للنجوم أو حتى أي مادّة تتجول بالقرب من جاذبيته الخطيرة. إلا أنّ هنالك حالات غريبة في بعض الأحيان، حيث أن أحد الثقوب السوداء الضخمة تمكّن بجاذبيته من تمزيق قطعة من نجم استطاع الفِرار بعيدًا؛ كان هذا حال أحد النجوم التي تبعد نحو 650 مليون سنة ضوئية باتجاه الدب الأكبر (Ursa Major).
فلكيّون من جامعة ولاية أوهايو (Ohio State University ) لم يتمكنوا من رؤية النجم نفسه بالرغم من جميع معدات المسح الآلي الخاصة بمراقبة انفجار النجوم من قبل فريق (ASAS-SN)؛ لكنهم استطاعوا رؤية الضوء الناتج عن عملية التهام الثقب الأسود للمواد التي تمكّن من التقاطها من جزء هذا النجم.
في ورقة بحث تظهر في الملاحظات الشهريّة عن الجمعيّة الفلكيّة الملكيّة (Royal Astronomical Society) جاء فيها أن النجم والثقب الأسود متوضعين في مجرّة خارج ما يُسمَّى حديثاً لانياكيا (Laniakea) والتي تُعد مجرتنا درب التبّانة جزءاً منه.
في لانياكيا مجرتنا (وطننا الأم) يُطلق على هذه الحادثة بعمليّة تعطيل المد والجزر ( “tidal disruption event”)، أو اختصارًا (TDE)، تحدث هذه العملية في المنطقة المركزيّة الكبرى للانياكيا، على كل حال يبقى هذا الـTDE أقرب TDE تمّ رصده، مما يعطي الفلكيين أكبر فرصة اليوم لمعرفة المزيد حول كيفية تشكُّل الثقب الأسود الهائل وتضخمه.
الى الآن تمكّن فريق(ASAS-SN) من رصد 60 سوبرنوفا “انفجار نجوم” بشكل واضح في المناطق القريبة منّا. أحد الأهداف الأخرى لهذا البرنامج البحثي هو محاولة تحديد كيف من الممكن حدوث الـTDEs في المناطق القريبة منا في الكون. لكن الباحث المُشارك في الدراسة كرزيستوف ستانيك (Krzysztof Stanek)، أستاذ في الفلك في ولاية اوهايو، كان ورفاقه متفاجئين بالعثور على واحد في كانون الثاني عام 2014 فقط بعد أشهر قليلة على بدء أربعة تيليسكويات لفريق (ASAS-SN) تجميع البيانات في هاواي.
في الحقيقة إن المسح خلق اكتشاف نادر بسرعة ترجح أن الـ(TDEs) ممكن أن يكون أكثر شيوعاً مما يدرك علماء الفلك.
يقول كرزيستوف أيضًا بأنهم وجدوا TDE آخر وبناءً على هذا، تشجعوا لأنه من الممكن أن يكون المعدل أعلى من TDE واحد سنوياً أو ربما اثنين.
يضيف كرزيستوف ويقول “تستطيع القول أنّ الحظ قد حالفنا، لكن عندما يحالفك الحظ مرّة إثر مرّة فحتماً أنت تفعل الصَواب”، وتابع “من الممكن أن يكون هذا المعدّل حقيقةً أعلى ممّا يتوقع الآخرون، ممّا يعني أنه يمكننا رؤية المزيد من هذا في المستقبل القريب”.
طالب الدكتوراة توماس هولوين Thomas Holoien والذي ترأس التوضيحات والتحليلات عن TDE، يقول بأن TDE ظهر سّطوعه لأول مرة في تاريخ الخامس والعشرون من كانون الثاني عام 2014. حيث ظهرت بقرب اليسار الخلفيّ (القدم) من مجموعة الدب الأكبر، بين النجمين Alula القطبي و Praecipua .في البداية اعتقد أنّ هذا السطوع هو احدى انفجارات النجوم “سوبرنوفا”، ولكن نمط سطوعه في النهاية أشار إلى شيء آخر تمامًا، هو وشركائه أصرّوا أنهم كانوا يشاهدون TDE.
الباحث المشارك في الدراسة كريستوفر كوتشانك Christopher Kochanek، أستاذ في علم الفضاء في ولاية أوهايو، كان واحد من بين أوائل الخبراء في مجال ال TDEs منذ 25 سنة، يقول بأنّ مقدار قليل فقط تمّ اكتشافه منذ ذلك الحين، بالرغم من ذلك، لا أحد يعلم أيضًا الأهميّة التي يأخذها الـTDE في مساهمة لمعرفة كيفية نمو الثقوب السوداء في الكون.
إحدى الحكم التقليدية تٌرجّح أنّ الثقوب السوداء لا تلتهم جميع النجوم. لكن يقول كوتشانك أيضًا بأنه من الممكن أن يحدث هذا مرة كل 10 آلاف إلى 100 ألف سنة، كل مرة يُمزّق الثقب الأسود قطعةً من نجمٍ عابر يبقى هذا السؤال مفتوحاً.
ويقول كوتشانك بأن المُشكلة أنّ فرص الثقب الأسود في عمل تمزيق جزئي للنجم _من الممكن_ ألّا تختلف عن فرص تمزيقه كليّاً.
فريق (ASAS-SN) من الممكن أن يُساعد في العثور على إجابة؛ حيث أنّ المسح تمّ عن طريق مرصد فيغاس كومبريس لشبكة التلسكوبات العالمية بإستخدام أربع تلسكوبات بعيار 15 سنتيمتر في كلّ من مرصد هاليكالا وهاواي والإثنان الآخرن في تولو وتشيلي.
يقول ستانك بأنه وعلى الرغم من هذا إلا أنه تبقى هذه المعدات ضعيفة نسبيّاً. إلا أنها مثاليّة لعمل دراسات تفصيليّة لكوننا القريب بتكلفة منخفضة.
المسح حقق بعض النجاحات في السنة الأولى من انطلاق العمليّة؛ تقريباً نصف السطوعات والسوبرنوفا القريبة منا التي اُكتشفت من آيار 2014 إلى اليوم تمّ اكتشافها من قبل ASAS-SN.
إنها بداية واعدة لمشروع يهدف إلى توسيع مفهومنا عن النجوم، الكواكب، والمجرات القريبة من موطننا.
يختم ستانك ويقول بأنه لا يوجد إلا حي محلي وحيد، حيث أنّ الأمر يشابه الحصول على جريدة محلية من أجل معرفة ماذا فعل جيرانك.