لا تتخيّل أن هذا العالم يسير وفق المصادفة أو بآلية عشوائية، فكل نملة فى مطبخك أو تسير إلى جوار سريرك وحائط غرفتك هى أداة من أدوات التوازن الحى والبيولوجى والبيئى فى ميزان الله الذى أقام به هذا العالم، ولكن قد لا يكون هذا السبب المنطقى – العقدى – كافيًا لاحتمال وجود وتهديد وغزوات تتار عالم الحيوان، عليك أن تشكر الله لأنك لم تعرفهم ولم يغيروا عليك حتى الآن.

يتخيّل كثيرون أن الخطورة فى عالم الحيوانات والحشرات مرتبطة بالضخامة والشراسة وقوة المخالب والأنياب، وهو تصوُّر صحيح جزئيًّا ومع بعض المخلوقات، ولكن يظل تأثيره وأضراره أمرًا فرديًّا يقع على شخص واحد أو مجموعة محدودة من الأشخاص على الأكثر، بينما الشراسة الحقيقية فى هذا العالم قد تكون صفة مُستحقّة لعشرات ومئات الملايين من الكائنات المتشابهة التى تعيش فى مستعمرات سرية تحت الأرض، ويمكنها أن تهاجم وتفتك وتأكل الأخضر واليابس، يمكننا أن نقول إن “النمل الأبيض” نموذجًا هو أحد أكثر الكائنات شراسة – ربما أكثر من الحيوانات المفترسة – وأنه صورة حيّة للتتار والمغول، فالنمل البيض هو بحق “تتار عالم الحيوانات والحشرات”.

 بطاقة شخصية للنمل الأبيض

لعل الكثيرين لا يعرفون شيئًا كثيرًا عن النمل الأبيض، فعلى الرغم من أنه لا يُسبّب أو ينقل أيّة أمراض تقريبًا إلى الإنسان أو الحيوان، إلا أنه يحُدث خسائر اقتصادية جسيمة تُقدّر بمئات الملايين من الجنيهات سنويًّا.

النمل الأبيض، تلك الحشرة الصغيرة ضئيلة الحجم القوة، والتى تتغذّى على المواد السليلوزية وتأكل المواد التى تعود إلى أصل نباتى، كالأخشاب والحبوب وغيرها، ففى المناطق الموبوءة بالنمل الأبيض تداهم هذه الحشرات المنازل الريفية وصوامع التخزين، محدثة أضرارًا جسيمة فى الحبوب المخزونة والأبسطة والحُصر، كما تخرق الطوب اللَبِن بعد أن تتغذّى على ما يحتويه من التبن والمواد العضوية، وتصنع به أنفاقًا تصل من خلالها إلى عروق الخشب بالأسقف محدثة بها أضرارًا بالغة للغاية، وهو ما يُعرّض هذه المنازل للسقوط.

الخسائر والأضرار التى يسبّبها

حدث من قبل أن التهمت جحافل النمل الأبيض قريتين كاملتين، هما: “برسيق” فى محافظة كفر الشيخ، و”السلام” فى بلاد النوبة بمحافظة أسوان، وهو ما أدّى إلى تهجير أهالى القريتين بعد أن حوّلهما النمل الأبيض إلى أطلال.

وتُحدث هذه الحشرات أضرارًا جسيمة للفلنكات التى تربط قضبان السكك الحديدية، وكذلك لأعمدة التليفون والتلغراف والصناديق الخشبية، كذلك تتعرض “شُوَن” تخزين الحبوب والغلال إلى مداهمة الملايين من هذه الحشرة لأجولة الحبوب والغِلال التى تحتوى على المحاصيل الزراعية المُخزَّنة، وتهاجم جميع المنسوجات القطنية والكتانية، كما تسبّب خسائر كبيرة وفادحة فى المكتبات وما تحويها من كتب وأوراق.

ويهاجم النمل الأبيض أيضًا الكثير من المحاصيل الزراعية فى مختلف أنحاء العالم ومختلف البيئات ومستويات الطقس والمناخ، مثل: الشاى والكاكاو والمطاط والنخيل وجوز الهند والأرز والقمح والفول السودانى وأشجار الموالح وأشجار الفاكهة والتين والزيتون والعنب، فى قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين، وهو ما يؤدى إلى ضعف النباتات المصابة وقلّة إنتاجيتها وعمرها المثمر، وبالتالى يؤدى إلى تأثُّر الاقتصاد العالمى بدرجة كبيرة.

أطوار النمل الأبيض

للنمل الأبيض أطوار نموّ وحياة مختلفة، ويتراوح لونه ما بين الأبيض والمائل إلى الصُّفرة، وتحمل رأسه قرون استشعار عقدية وعيونًا مركّبة، ويتّصل فى جسمه الصدر بالبطن اتصالاً عريضًا دون خصر تقريبًا، ويبدأ إنشاء مستعمرة النمل الأبيض بزوج من الأفراد الخصبة المجنّحة، أى عبارة عن ذكر ملك وأنثى ملكة، ويعرفان بـ “الزوج الملكى”، ويقومان بحفر حفرة كبيرة تعرف بـ “الخلية الأولية”، ليتم التلقيح ووضع البيض فيها، وبعد فترة حضانة تصل إلى شهرين تقريبًا يفقس البيض وتخرج منه الحوريات  ناصعة البياض، ويتسمر هذا الطور من أسبوع إلى أربعة أسابيع، قبل أن تنسلخ أجساد هذه الحوريات لتتشكل فى هيئة أفراد مختلفة فى شكل “النمل” فى المستعمرة، تبعًا لطبيعة وتركيبة الوظيفة التى يقوم بها كل فرد من أفراد المستعمرة.

طرق مقاومته والتخلُّص من مخاطره

تعتمد آليات وطرق ووسائل مقاومة النمل الأبيض ومخاطره ومنعه من الاستمرار التكاثر بما يقود أعداده الكبيرة إلى التزايد الضخم وتعظيم الأضرار الاقتصادية والمالية الناتجة عن تكاثره وتغذّيه على السليلوز والمواد العضوية والنبات وغيرها، على عمل حفر تحت الأرض، وخنادق عميقة وممتدة، يتم ملؤها بوضع مستحلب مائى به مبيدات حشرية كيميائية، لكى يستمر تسريبها إلى التربة عبر هذه الحفر والخنادق، أو يتمّ رشّها سطحيًّا إلى جانب رشّ محلول الكيروسين معها، وهو ما يساهم فى إبادة أعداد كبيرة من مستعمرات النمل الأبيض، وتحجيم نموّها وتضخّم أعدادها.